الساعة البيولوجية في جسم الإنسان… سرٌ خفي ليوم مثالي

الساعة البيولوجية في جسم الإنسان

بقدر ما نحتاج إلى إيلاء اهتمام كافٍ لتناول الطعام وممارسة الرياضة، فإننا بحاجة إلى ضبط إيقاعنا الداخلي. وقد تولت الساعة البيولوجية هذه المهمة الشاقة، حيث تعمل كبوصلة لتنظيم وظائفنا الحيوية، التي تتبع إيقاعات الطبيعة، ومنها النوم والاستيقاظ في وقت محدد كل يوم، إضافًة إلى وظائف أخرى سنتعرف عليها في مقالنا التالي “الساعة البيولوجية في جسم الإنسان”، دورها السحري في تنظيم حياتنا، العوامل المؤثرة على نشاطها والأسباب التي تؤدي إلى اضطرابها.  

ما هي الساعة البيولوجية؟

ما هي الساعة البيولوجية؟

تعد الساعة البيولوجية في الجسم البشري من أكثر الاكتشافات إثارة للاهتمام والغرابة، تم التوصل إليها خلال القرن الماضي. فساعة الجسم هذه هي عملية بيولوجية، وإيقاع يومي مسؤولة عن أنشطة أجزاء الجسم خلال الـ 24 ساعة، أي خلال يوم كامل متضمنًا دورة الليل والنهار. ولكي نكون دقيقين، لا يوجد شيء اسمه الساعة البيولوجية أو الساعة الداخلية. بدلاً من ذلك، كل خلية لها مؤقتها الخاص، والتي تعتمد عليه عمليات التمثيل الغذائي المختلفة في الخلية. ولكن نظرًا لأن الجسم يجب أن يعمل ككل، فإن هذه المليارات من الساعات تتم مزامنتها والتحكم فيها بواسطة مركز تحكم مشترك بحجم حبة البازلاء ويسمى نواة suprachiasmatic  أو SCN.

SCN ، هو عبارة عن كرة من الأعصاب بحجم حبة الأرز تقع في منتصف الدماغ مباشرة فوق تقاطع العصبين البصريين. تتلقى نبضات من مستقبلات الضوء الخاصة في العين، وترسل هذه المعلومات إلى جميع الأعضاء أو الخلايا. لذلك تتكيف عمليات التمثيل الغذائي لكل خلية مع ضوء الشمس وبالتالي أيضًا مع دورة الـ 24 ساعة من دوران الأرض.

كيف يعمل الإيقاع اليومي للساعة البيولوجية؟

كيف يعمل الإيقاع اليومي للساعة البيولوجية؟

تتكون الحياة اليومية من إيقاعات، كل شيء من حولنا يدق بسرعة. مد وجزر، ليل ونهار، دقات قلبنا، تنفسنا، كل شيء صعودًا وهبوطًا يعمل كما لو كان من تلقاء نفسه. لكن من يتحكم في هذه الإيقاعات؟ وكيف يعرف جسم الإنسان الإيقاع؟

يعد الإيقاع اليومي من أهم الفترات المنظِمة لنشاطنا البدني والتي تنعكس إيجابًا على زيادة التوازن والطاقة في أجسامنا إذا تمت في وقتها الصحيح، وتسبب في الوقت نفسه اختلالًا وتعبًا إذا تم القيام بنفس النشاط في وقت آخر. تنقسم الدورات اليومية إلى نصفين كل 24 ساعة، أي ليل ونهار. يتضمن كل منها ثلاث فترات، تمتد كل فترة أربع ساعات تتوزع لتناول الطعام والنوم والتخلص من الفضلات.

  • تعد الفترة الممتدة من الساعة 8 مساءً حتى الساعة 4 صباحًا، أفضل وقت لامتصاص العناصر الغذائية في الجسم، وأفضل وقت للإطراح هو من الساعة 4 صباحًا حتى الساعة 12 ظهرًا. حيث تُفرز العديد من الهرمونات والإنزيمات في الجسم خلال مرحلة الراحة، فيتم إطلاق هرمونات النمو، تجدد الخلايا، تجدد الجلد والتئام الجروح. كما وينتج نخاع العظم دمًا جديدًا.
  • ينتهي برنامج الجهاز الهضمي بحلول الساعة 10 مساءً على أبعد تقدير. لذا يعد أفضل وقت لتناول العشاء هو الساعة 6 مساءً لأن الهضم يزيد من التمثيل الغذائي في الجسم مما يعطل النوم.
  • أفضل وقت للنوم حوالي الساعة 10 مساءً، تحدث العديد من العمليات المختلفة في الجسم ليلاً. حيث ينشط الجسم والدماغ أيضًا أثناء النوم، ويبدآن برامج الإصلاح الخاصة بهما. تنخفض درجة حرارة الجسم بمقدار نصف درجة مئوية، فتسترخي العضلات وتتشكل بروتينات جديدة. إذا تأخرت في النوم بعد هذا الوقت، فأنت تحرمين نفسك من الراحة التي تحصلين عليها من خلال إفراز الهرمونات وامتصاص العناصر الغذائية الجيدة، حيث يمكن أن يكون النوم مصدرًا مهمًا للطاقة والحفاظ على الوزن. لذا عند كسر هذه الحلقة، ستشعرين بالتعب والملل عند الاستيقاظ.
  • في الليل بعد الساعة العاشرة تجعل عملية التمثيل الغذائي الجذور الحرة غير ضارة، بالإضافة إلى ذلك، يتم إطلاق الهرمونات التي تنظم الشعور بالجوع والشبع. حيث ينشط إفراز هرمون اللبتين الذي يمنع الشعور بالجوع، لذا يحصل الأشخاص الذين ينامون قليلاً جدًا على نسبة منخفضة من هذا الهرمون، وبدلاً من ذلك تفرز أجسامهم المزيد من هرمون الجريلين المسؤول عن الشعور بالجوع لذا تخرج عملية الأيض عن مسارها لدى الأشخاص الذين ينامون أقل من ست ساعات، ويمكن أن تؤدي إلى السمنة وفي النهاية إلى أمراض مثل مرض السكري.
  • أفضل وقت للاستيقاظ هو الساعة 6 صباحًا أي عند شروق الشمس. إذا تمكنت من الاستيقاظ في هذا الوقت، فإن عقلك وجسمك سيتأثران إيجابًا عاطفيًا و بدنيًا، حيث ستكون حركتك خفيفة وحيوية.

وظائف الساعة البيولوجية في جسم الإنسان

وظائف الساعة البيولوجية في جسم الإنسان
  • تعمل الساعة البيولوجية على مزامنة وظائف الجسم وأنشطته.
  • تنظم الساعة البيولوجية استجابة الجسم للضوء والظلام، من خلال إرسال إشارات إلى الدماغ عند الاستيقاظ.
  • تشارك الساعة البيولوجية في تنظيم الأنشطة في أجسامنا مثل أنماط النوم، وقت الجوع، درجة حرارة الجسم ومستويات الهرمونات.
  • مسؤولة عن فترات اليقظة والأداء اليومي وضغط الدم.
  • تنظم الإيقاعات الشهرية والموسمية في أجسامنا، كنظام الحيض لدى النساء ودرجة الخصوبة عند الرجال.
  • خلال النهار، يكون الجهاز المناعي دائمًا في حالة تأهب وجاهزية لحماية جسم الإنسان. هناك وقت للاسترخاء وتقوية جهازك المناعي في الليل.

يمكن أن تؤثر العوامل الخارجية والمحفزات على ساعتنا البيولوجية، حيث يؤثر التعرض لأشعة الشمس والأدوية واستهلاك الكافيين على أنماط النوم لدى بعض الأشخاص.

العوامل المؤثرة سلبًا على نشاط الساعة البيولوجية

العوامل المؤثرة سلبًا على نشاط الساعة البيولوجية
  • يعد الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا عاملًا أساسيًا في تعطيل الساعة البيولوجية لجسمك تمامًا، حيث تربك الأضواء الإلكترونية والأضواء الصنعية، مثل المصابيح الكهربائية وأجهزة التلفزيون أو حتى الهواتف المحمولة، الدماغ وتجعل الوقت بالنسبة له قد حان للاستيقاظ وليس للراحة والنوم بسبب توقف إنتاج هرمون الميلاتونين، الذي هو هرمون يساعدك على النوم، حيث يبلغ إفرازه في الجسم ذروته في الليل وبعد غروب الشمس.
  • يسبب السفر عبر مناطق زمنية مختلفة اضطراب في عمل الساعة البيولوجية لديك. حيث أن ساعة جسمك لا تزال تعمل حسب برنامج المنطقة الزمنية التي تعيشين فيها. تشمل أعراض اضطراب الرحلات الجوية الطويلة الإعياء، صعوبة في هضم الطعام، انخفاض الوظيفة الجسدية والعقلية، اضطراب المزاج (القلق والاكتئاب والتهيج)، مشاكل النوم (صعوبة النوم أو الاستيقاظ مبكرًا).
  • العمل وفق نظام الورديات وبخاصة الورديات الليلية. حيث يتسبب ذلك باضطراب في عمل الساعة البيولوجية لدى هؤلاء الأشخاص.
  • الحمل. حيث يمكن ان تتسبب هرمونات الحمل بتغيير في إيقاع الساعة البيولوجية واضطراب في ساعات النوم.
  • يؤثر التقدم في السن على انتظام عمل الساعة البيولوجية مسببًا اضطرابات النوم. حيث يذهب المسنون إلى الفراش في وقت مبكر جدًا من الليل، ويستيقظون في وقت مبكر جدًا في الصباح.
  • تناول بعض أنواع الأدوية.
  • التغيير في روتين الحياة اليومية مثل السهر لساعات متأخرة.
  • الإصابة بمشاكل طبية مثل مرض الزهايمر، أو مرض الشلل الرعاشي.
  • تسبب الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية، مثل اضطراب المزاج، مشاكل في عمل الساعة البيولوجية.

ما علاقة الساعة البيولوجية في جسم الإنسان بالأمراض المختلفة؟

ما علاقة الساعة البيولوجية في جسم الإنسان بالأمراض المختلفة؟

يرتبط التغيير في الإيقاع البيولوجي للجسم بالإصابة بالعديد من الأمراض، أو التغيير في شدتها لدى الأشخاص، نذكر منها:

  • النوبة القلبية: يكون خطر الإصابة بـ نوبة قلبية أو سكتة دماغية أعلى في الصباح. ويرجع ذلك إلى تقلص الشرايين في الجسم، وكذلك الأوعية الدموية التي تغذي عضلة القلب والدماغ، وهذا هو السبب وراء احتمال حدوث نوبات ارتفاع ضغط الدم لدى الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب في الصباح الباكر. حيث تؤثر الساعة البيولوجية بشكل مباشر على مستويات الهرمونات المرتبطة بالتوتر، أو معدل ضربات القلب أو نشاط الجهاز العصبي اللاإرادي.
  • يمكن لإيقاع الجسم البيولوجي أن يساعد الطبيب بذكاء في تشخيص الأمراض المعدية من خلال خلق أعراض محددة. حيث تزيد الحمى الناتجة عن عدوى بكتيرية في المساء، في حين تصل الحمى الناتجة عن عدوى فيروسية (مثل الزكام) إلى الذروة في الصباح. تكون إفرازات الأنف أثناء نزلات البرد أكثر في الصباح وتنخفض أثناء النهار.
  • الربو: تزداد شدة أعراض الربو مثل ضيق التنفس والسعال في الليل أكثر منه أثناء النهار بالنسبة لمعظم الأشخاص المصابين به.
  • تعد الحساسية الموسمية والعطس وانسداد الأنف وحكة العين أكثر شيوعًا في الصباح.
  • يمكن أن تؤدي اضطرابات الساعة البيولوجية إلى اضطراب وظيفة الجينات التي تتحكم في العديد من وظائف الجسم، مثل درجة حرارة الجسم، ومستويات السكر في الدم وحتى الحالة المزاجية.
  • ضعف الجهاز المناعي، حيث تشير نتائج الدراسات إلى أن بعض الجينات المسؤولة عن محاربة البكتيريا والفيروسات يتم التحكم فيها بواسطة الساعة البيولوجية للجسم.
  • تؤثر الساعات البيولوجية غير المستقرة على خصوبة المرأة. وفقًا لدراسة أجريت عام 2014، فإن إنتاج الميلاتونين، الذي يحمي بيضة المرأة من الإجهاد بسبب خصائصه المضادة للأكسدة، يرجع إلى إيقاع الجسم اليومي المنتظم، وعندما يتعرض الشخص للضوء الصنعي في وقت متأخر من الليل، يتوقف إفراز الميلاتونين في الجسم. لذا يجب على النساء اللواتي يخططن للحمل، أو الحوامل منهن، تقليل كمية الضوء الصنعي في غرفة نومهن قدر الإمكان.
ما علاقة الساعة البيولوجية في جسم الإنسان بالأمراض المختلفة؟
  • الاكتئاب حيث بينت الدراسات أن مشاكل النوم، لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، قد تكون ناتجة عن اضطراب ساعتهم البيولوجية. حيث أن عدم التعرض لأشعة الشمس يمكن أن يؤدي إلى حالات من اضطرابات المزاج والاضطراب ثنائي القطب والاضطراب العاطفي الموسمي.
  • الإرهاق الناتج عن فروق التوقيت، أو إرهاق الطيران، إضافًة إلى المشاكل الصحية التي يسببها العمل وفق نظام النوبات تتسبب في فقد الجسم قدرته على ضبط إيقاع ساعته البيولوجية. وتعد درجة حرارة الجسم هي مؤشر جيد على صحة إيقاعها. حيث تتراوح درجة حرارة الجسم لدى الأشخاص الأصحاء من 35.5 إلى 38.5 درجة مئوية في الـ 24 ساعة. حيث تكون درجة حرارة الجسم في أدنى مستوياتها في ساعات الصباح الباكر، وتصل إلى أعلى مستوياتها في فترة ما بعد الظهر وبداية المساء، ويتسبب عدم انتظام النوم في اضطرابها.
  • يسبب اضطراب الساعة البيولوجية للجسم ارتباطًا وثيقًا بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري والسمنة.
  • ضعف الأداء في العمل وقلة اليقظة العقلية. حيث أن معظم حوادث السيارات تحدث قبل شروق الشمس، إضافًة إلى القلق والنعاس أثناء النهار.

بعض الاقتراحات لضبط إيقاع ساعتك البيولوجية

يمكن لإيقاع الجسم البيولوجي تحسين وظيفته باتباع نمط نوم سليم وقياسي. لتحقيق ذلك إليك بعض الاقتراحات:

بعض الاقتراحات لضبط إيقاع ساعتك البيولوجية
  • إزالة أجهزة التكنولوجيا من السرير من شأنه أن يعيد إيقاع ساعة الجسم البيولوجية بسرعة إلى طبيعته.
  • تجنبي الكافيين، الكحول، النيكوتين والمشروبات الباردة جدًا قبل النوم.
  • احصلي على جدول نوم منتظم.
  • ممارسة المشي خلال النهار.
  • خذي قيلولة قصيرة من 10 إلى 15 دقيقة خلال النهار.
  • اعملي على تشغيل المزيد من الأضواء في منزلك خلال النهار. على العكس من ذلك، فإن إطفاء الأنوار ليلاً يمكن أن يساعدك على النوم.

في النهاية

من المهم أن تتذكري أن الإيقاعات البيولوجية تعمل على حمايتك، وتجعلك شخصًا أكثر إنتاجية في الصباح وبداية المساء. فعندما تكون الإيقاعات البيولوجية متناغمة، سيكون لديك أكبر قدر من الكفاءة والشعور الجيد في حياتك اليومية.

المصادر